في هذا الزمن الرديء الذي نعيشه، جاء حصول قطر، عن طريق التصويت، على شرف تنظيم دورة كأس العالم في كرة القدم في السنة 2022 انتصارا عربيا قبل اي شيء آخر. اكّد الانتصار العربي ان نظرية المؤامرة لا تجدي عندما يكون هناك من يؤدي ما عليه من واجبات بطريقة علمية استنادا الى القوانين والاصول المعمول بها عالميا.
لم يترك الجانب القطري شيئا للصدفة. ولذلك، استطاع امير الدولة الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني وزوجته الشيخة موزة يحيط بهما عدد من كبار المسؤولين القطريين رفع كأس العالم في زيورخ بعيد الاعلان عن نتيجة الانتخابات في اطار الاتحاد الدولي لكرة القدم. انتصرت دولة قطر في الحقل الرياضي لسبب في غاية البساطة يتمثل في انها احترمت اصول اللعبة بحذافيرها. وجاء انتصارها على الولايات المتحدة القوة العظمى الوحيدة في العالم التي تبين مرة اخرى ان هناك حدودا لقوتها وجبروتها ونفوذها متى احسن من يتنافس معها التصرف واعطى خبزه للخباز بدل الاكتفاء بالقول ان هناك مؤامرة وتحاملا على كل ما هوعربي وان "الصهيونية" و"الامبريالية" و"المشاريع الاميركية - الاسرائيلية" لا يمكن الاّ ان تُفشّل اي دولة عربية تسعى الى تحقيق تقدم في اي مجال كان...
على سبيل المثال وليس الحصر، استطاعت البحرين استضافة احد سباقات بطولة العالم للسيارات (فورمولا وان). وفي العامين الماضيين، انضمت ابوظبي الى منظمي احد سباقات "فورمولا وان" التي تعتبر مع كرة القدم، احدى اكثر الرياضات شعبية في العالم. لم يمنع احد البحرين وابوظبي من تنظيم السباقين بعد توفيرهما الشروط اللازمة لذلك وهي شروط في غاية الصعوبة والتعقيد، خصوصا اذا اخذنا في الاعتبار معايير السلامة التي يفترض توفيرها لدى تنظيم مثل هذا النوع من السباقات. اضافة الى ذلك، ثمة حاجة الى بنية تحتية مناسبة استطاع البلدان اقامتها فاستكملا الشروط المطلوبة وتحولت المنامة وابوظبي محطتين رياضيتين عالميتين. مما لا شك فيه ان ما ساعدهما في ذلك، حاجة منظمي بطولة العالم لسيارات الفئة الاولى (فورمولا وان) الى تنظيم اكبر عدد ممكن من السباقات خارج اوروبا، فاستغلت البحرين وابوظبي الفرصة وباتتا تشغلان حاليا موقعا متميزا على الخريطة الرياضية العالمية. كل ما في الامر انه كانت هناك قراءة جيدة لوضع ما بعيدا عن اي نوع من العقد والخوف من نظرية المؤامرة التي تسيطر للاسف الشديد على العقل العربي!
لم يتقبل الرئيس باراك اوباما الخسارة بروح رياضية. تعمّد الاعتراض على جمع قطر اكثرية الاصوات في الاتحاد الدولي لكرة القدم. ما تحقق كان نتيجة عمل دؤوب يستند الى خبرات متراكمة. لو لم تنجح قطر في تنظيم الدورة الاسيوية في كانون الاول من العام 2006، لما كانت اقدمت على خوض غمار الترشح لتنظيم دورة كاس العالم لكرة القدم. هناك تاريخ من النجاحات يبرر الاقدام على هذه الخطوة. ما لم يكن ممكنا تجاهله ان ثلاثة عشر الف رياضي شاركوا في الدورة الاسيوية. استطاعت البنية التحتية المتوافرة استيعاب كل هذا العدد من المشاركين في الدورة التي كانت تلك المرة الثانية التي تستضيفها دولة في آسيا الغربية. كانت المرة الاولى التي جرت فيها الالعاب الاسيوية في دولة من دول آسيا الغربية في ايران في العام 1974.
لم يكن النجاح القطري الاخير نجاحا للقدرات المالية فحسب، بل كان نجاحا لفكرة معينة تقوم على تجاوز العقد التي يعاني منها العرب في معظمهم. ربما كانت العقدة الاولى تحدي الولايات المتحدة نفسها. تبين ان في الامكان تجاوز العقدة الاميركية متى كانت المواجهة من داخل القوانين والانظمة المتعارف عليها عمليا. لا يمكن خوض معركة ناجحة مع القوة العظمى الوحيدة في العالم في حال تجاهل القوانين والانظمة المعمول بها والاشخاص المختصين بالموضوع المطروح. اقتضى ذلك تقديم ملف كامل متكامل يتضمن ادق التفاصيل والوسائل التي ستعتمد للتغلب على حرارة الجو داخل الملاعب نفسها. تولى الترويج للملف القطري من يمتلكون خبرة في مجال العلاقات العامة. كان النجاح قطريا وخليجيا وعربيا. ما ساعد في هذا النجاح وجود رغبة لدى "الفيفا" (الاتحاد الدولي لكرة القدم) في اخراج كأس العالم من اوروبا واميركا. الم تكن استضافة جنوب افريقيا للدورة الاخيرة دليلا على ان تلك الرغبة حقيقية وان المطلوب ألا تبقى كأس العالم حكرا على دول معينة معروفة؟
كان النجاح القطري نجاحا لمشروع يستهدف استغلال الثروة لبناء دولة حديثة ذات بنية تحتية متطورة وعمارات مشيّدة استنادا الى مواصفات على علاقة بالذوق تراعي البيئة. الاهم من ذلك، ان المشروع النهضوي الذي لا يقتصر على قطر، بل يشمل دولا اخرى في المنطقة، يركز اساسا على الانسان والبرامج التعليمية المتطورة التي تبعد المواطن العربي عن التطرف والتزمت وتمكنه من ان يكون على تماس مع العالم ومع كل ما هو حضاري فيه.
يبقى سؤال في غاية البساطة. كيف ستكون عليه منطقة الخليج في السنة 2022، اي بعد ما يزيد على عقد من الآن. اي شكل سيتخذه الخليج في السنة 2022؟ لن تذوب اي دولة من دوله. هذا صحيح على الارجح، ولكن ما قد يكون صحيحا اكثر هل من المستبعد ان يكون هناك تقارب اكبر بين بعض الدول العربية في المنطقة التي يجمع بينها حاليا مجلس التعاون يسمح لها بمزيد من التكامل في ما بينها بما في ذلك في المجال الرياضي؟