للمرة الثانية يفاجئ النمر الكوري الشمالي القارة الآسيوية بحضوره المثير من بيادر الجوع إلى سقف الكرة الآسيوية، ففي بدايات فصل الصيف تأهل المنتخب الكوري الشمالي الأول لنهائيات كأس العالم بعد غياب جاوز الأربعين سنة، ليعاود هذا النمر الأحمر تجاوز كل الظنون الآسيوية ويتأهل منتخبه الشاب، لنهائيات كأس العالم للشباب في كولومبيا، بعد أن خطف كأس قارة آسيا من جميع المنتخبات المشاركة، التي تفوقه في إمكاناتها المالية وحضورها القوي في المنافسات القارية والدولية خلال النصف قرن الماضي..
الحضور القوي لكوريا الشمالية خلال هذا العام جدير بالاحترام والدراسة، فهذا البلد الخاضع للحصار الدولي، والذي يعاني نصف شعبه من فاقة الجوع، تجاوز في مسارات السباق الكروي جميع دول القارة الآسيوية التي قد تصرف على منتخبات كرة القدم فقط أموالا تفوق ميزانية كوريا الشمالية..
المال والإعلام لا يكفيان لصناعة منتخبات قوية، ولو كان خلق كرة متقدمة مرتبطا بهذين العنصرين، لكانت كوريا الشمالية تتصارع مع بنجلاديش وسريلانكا في قاع تصنيف القارة لتحسين مركزها، المال مهم لصناعة كرة قدم متطورة، وكذلك الإعلام متى ما كان إعلاما صادقا، يمارس مهنيته بالضغط على الأخطاء المعيقة لإزاحتها من المسارات نحو التألق، ولكن محور هذه الصناعة الحضارية هي البرامج المعدة إعدادا واعيا مبنيا على خطط نابهة، مع وجود أجهزة تنفيذية على قدرة عالية من الخبرة والتأهيل، تطبق هذه الخطط تطبيقا يتسم بالجودة والإتقان..
لا أحد يعرف الدوري الكوري الشمالي، وكل ما تتناقله وكالات الأنباء العالمية عن هذا البلد المعزول، هي أخبار محبطة إن كان في مجال السياسة أو في المناكفات العسكرية مع الجارة الجنوبية، مع أخبار تتحدث بشكل شبه يومي عن الجوع والحرمان الذي يعانيه الشعب في الجزء الشمالي من الجزيرة الكورية، ومع ذلك ها هي منتخبات كوريا الشمالية بمختلف تصنيفاتها تتقدم بصورة لافتة على صعيد الكرة الآسيوية، إن في منتخبها الأول أو منتخب الشباب، لذا فإن تجربة كوريا الشمالية في النهوض الكروي، تجربة جديرة بالدراسة والتأمل..
التجربة الكورية أسقطت الكثير من النظريات، كما أنها أحرقت الأعذار الجاهزة، وأثبتت أن المال والهيلمان الإعلامي، لا يصنعان وحدهما كرة قدم وطنية قادرة على الحضور المشرف في المحافل الدولية، بل إن المال والإعلام إن لم يحسن استخدامهما قد يصبحان وبالا على من يركن إليهما فقط، ويعتقد أنهما قادران على الإتيان بالأحلام الجميلة..
كرة القدم في حقيقتها هي لعبة الفقراء، ولكن رأس مال سرقها من مساءات الشعوب الجائعة، بعد أن أصبحت الشركات والإعلام هما من يتحكم في مسار هذه اللعبة البسيطة، ولكن هذا التحكم شبه الشمولي ولم يستطع أن يحرم النمر الآسيوي الجائع أن يأتي من الأبعاد الشمالية للجزيرة الكورية ويفرض حضوره المشهود في مسرح الكرة الآسيوية.